نور العوّاد، متدرّبة في المكتب الإقليمي في الأردن
يناير/ كانون الثاني 2021
المعلمة سناء ديب -48 عامًا-، متطوعة فاعلة مع رؤيا أمل الدولية وجمعية غصون الرحمة بالكرك، الأردن. قدِمت سناء للأردن عام 2010 عبر الحدود البرية وانضمت إلى ”غصون الرحمة” بعد تسع سنوات في شهر تشرين الثاني (نوفمبر). واحدة من أبرز إنجازاتها هو قدرتها على التعامل مع الأطفال من مختلف البيئات بغض النظر عن وضعهم المادي أو الاجتماعي أو حتى الصحي. حيث قامت بالالتقاء بـ”أحمد” -اسم وهمي- ذو التاسعة ربيعًا أحد طلاب الجمعية وقامت بتقييم وضعه للمضي قدمًا بمساعدته على أكمل وجه. تقول سناء: “لقد أثرت المدرسة على صحته النفسية قبل الجسدية، حيث كان يتعرض للتنمّر من رفقائه بالمدرسة ومن الشارع كذلك.”
يعاني أحمد من إعاقة جسدية مما إدى إلى تعرّضه لكل هذا التنمر بالسابق، ولكن هذه المرة أيضًا تكللت بالنجاح وإرجعت روح الدراسة والشغف له خلال سنة واحدة فقط، بعد أن كانت حالته النفسية يرثى لها.
أوضحت سناء أنها كانت تشعر بمعاناته عند إعطاء أي نشاط حركي للطلاب أو عند ملاحظة استهجان الطلاب من وضعه الصحي، لكنها لم تكتفِ أبدًا بالمراقبة، بل قامت بدعمه لتدخل من باب اكتسابه لثقته بنفسه في البداية، متحدثة مع أقرانه في الصف الدراسي لزيادة الوعي لدى الطلاب في كل فرصة اتيحت لها دون علمه بذلك. واحدة من الحلول المفصلية تبعًا لها، هي طريقة التعامل مع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة عبر التعزيز وعدم التمييز الواضح معهم حيث تضيف سناء: “لم أعامله بشكل مختلف عن البقية، حتى عندما كان يعطيني إجابات خاطئة، لم أكن أظهر تعاطفي بشكل مبالغ فيه.” لقد تحسن أحمد نفسيًا ودراسيًا بفضل معلمته وتعلّق بها كثيراً حيث أنه لا يزال يتواصل معها حتى بعد انتهاء حصصه معها بعد الصف الرابع. يقول أحمد: “أتمنى أن أبقى طالبًا لديها لوقت أطول”.
شارك أحمد بمشروع التدريس المنزلي الذي تنفذه “رؤيا أمل” بالتعاون مع جمعية غصون الرحمة الخيرية وبدعم من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية والمؤسسة الألمانية للتعاون الدولي، الذي يهدف إلى تحسين النتائج التعليمية للأطفال السوريين والأردنيين في الأردن وتحسين الإندماج بينهم من خلال الأنشطة اللامنهجية للأطفال؛ لتساعدهم على تعلم المهارات الحياتية والإجتماعية، فانخرط أحمد في العديد من الأنشطة المفيدة كلعبة “بائع الكلمات” و”صناعة الزهور” وكان أحيانًا يتحمل مسؤولية الحفاظ على النظام مع معلمته ليكون”قائد الحصة” مع الكثير من أساليب التعزيز الأخرى، لذلك لم يتطلب تعافي صحته النفسية أي جلسات نفسية، لكن المعلمة سناء كانت تجلس معه أحيانًا لمناقشة وضعه الدراسي وإعطاءه مساحته الخاصة في بعض الأحيان.
منذ عام 2019 وحتى عام 2020 تم التعامل في “رؤيا أمل” مع 22 طفلًا يعانون من إعاقات مختلفة، عن طريق زرع وتعزيز الثقة بأنفسهم، وإظهار نقاط القوة بشخصيتهم واكتشافهم لذاتهم وقدراتهم. ومساعدتهم على مواجهة المجتمع وتقبل الذات إضافة إلى دمجهم مع الفئات الأخرى، وكان للجميع دور في خطة العلاج، من معلمات ومشرفين وأهل وحتى الأصدقاء.
تصف سناء الطفل أحمد على أنه سريع البديهة وخفيف الظل، ولاحظت أنّ ثقته بنفسه تحسّنت بشكل ملحوظ وزاد احترامه بين أقرانه، إلا أنّه لا مهرب من بعض التحديات لطفلٍ كأحمد، حيث شكلت الأعمال اليدوية على سبيل المثال عائقًا لانخراطه الكامل بالنشاطات. لكن المعلمة لم تستسلم وأعطته الفرصة ليشارك بما يقوى عليه، وقامت بتشجيعه على استخدام يده اليسرى على سبيل المثال وعززت إنجازاته وأشعرته أنه لا ينقصه شي بكلماتها التحفيزيّة. أحمد هو طفل قوي محبوب جدًا من عائلته ويُعتمد عليه في كثير من المواقف ويحب أن يخدم مجتمعه بأي طريقة رغم حالته الصحية كما تقول معلمته “أحمد رجل صغير بمعنى الكلمة.”
لم تقتصر هذه التجربة على إفادة الطفل أحمد، بل عززت قدرات المعلمة سناء وأتاحت لها اكتشاف مهاراتها بالتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة حيث تقول ممتنّة: “الحمدلله الذي وضع هذا الطفل بطريقي، حيث مكنني من أن أكون قادرة على التعامل مع هذه الفئة.”
وتطمح سناء أن تقوم بتدريس فئة المراهقين بالمستقبل، حيث شعرت أيضاً أنها تمتلك موهبة التعامل معهم خلال تربيتها لبناتها الناجحة، وتنصح بالتطوّع لأنه يساعد المرء على الصعيد الشخصي ويحدث فرق بالمجتمع، وإضافة قائلةً: “ساعدني التطوّع أن أبني علاقات وأتصل بالعالم الخارجي، جعلني أقرب للناس وعزز ثقتي بنفسي وزاد من مهارات التواصل عندي كثيرًا، التطوع هو شعور الفرد بقيمته”.
“ألهمتني الجمعية بأفكار عديدة للمستقبل من خلال الخبرات السابقة بالتدريبات والاجتماعات والعمل المنظّم، وتعلمت من الجمعية كيفية التواصل والتعامل مع الأطفال استنادًا على المهارات التدريبية وتعليم الأطفال غير الممنهج.” ~ المعلمة سناء، الأردن