تسنيم: نطق طفلة تأخّر ومثابرة أمٍ

التاسع من شباط (فبراير)، 2021

ريم عمر، متدرّبة في المكتب القطري في الأردن

في مرحلة النمو، ينطق الطفل ذو العامين حوالي 50 كلمة، ويعبّر بجمل تحتوي على كلمتين أو ثلاث كلمات فقط. أمّا في سن الثالثة، تزداد مفرداته إلى حوالي 1000 كلمة، ويستطيع التحدث في جمل من ثلاث وأربع كلمات.* ولكن في حال وجود عائق يمنعه من التعبير عن احتياجاته بالكلمات، يصبح الطفل أقل ثقة وتفاعلًا مع محيطه ويبدأ في رفض أي بيئة جديدة ومختلفة عن تلك التي اعتادها.

في محافظة تبعد 80 كيلومترًا عن العاصمة الأردنية عمّان تشتهر بموقعها على مفترق الطرق المؤديّة إلى سوريا والعراق والسعودية تدعى المفرقتعيش الطفلة تسنيم البالغة من العمر أربع سنوات مع عائلتها في منشيّة بني حسن، وتعاني من تأخر في النطق معبّرة عما في داخلها بكلمة واحدة، حيث إن كل من حولها يعتقد أنّها بكماء.

بالرغم من إدراكها التام لما يدور حولها ورغبتها في التفاعل مع عائلتها وأخواتها وأقرانها، إلا أنها فضلت البقاء بمفردها بعيدًا عن الأنظار لمراقبة الآخرين يتحدثون مع الكبار ويلعبون مع الصغار ويكتشفون أشياء جديدة معًا ولكنها بداخلها استسلمت لفكرة عدم قدرتها على فعل الشيء ذاته، محاولات عائلتها كانت مستمرة في تشجيعها وتحفيزها لتطوير حديثها، ولكن التقدم كاد أن يكون معدومًا بسبب محدودية الدعم الخارجي.

بالرغم من صعوبة الأمر، لم تفقد والدة تسنيم الأمل في قدرة طفلتها على التغلب على عقبة الحديث أو التعبير، بل كانت الوحيدة المؤمنة بذلك، عندها بدأت تحاول إلحاقها في رياض الأطفال في المنطقة، كأي طفل في سنها، لكنها محاولاتها باءت بالفشل، بل قوبلت بالرفض مرارًا وتكرارًا بسبب عجز طفلتها عن النطق واعتقاد المعلمين أن حالة طفلتها سوف تؤثر على الأطفال الآخرين وبرأيهم أن الأطفال في سنن غير مستعدين للتعامل مع الآخر. وأخيرًا وقبل فقدان الأمل سمعت الأم ذات يوم عن روضة الأمل – التي تعتبر بعيدة عن منزلها مقارنة برياض الأطفال الأخرى – وعند ذلك بدأت حياة الطفلة ووالدتها بالتغير.

ظهور داعمو الأمل بطرق مذهلة!!

في عامي 2013 و2014، تعاونت منظمة رؤيا أمل الدولية مع جمعيتين غير حكوميتين محليتين (منشية بني حسن الخيرية وغصون الرحمة الخيرية) بإنشاء روضتي أمل في شمال وجنوب الأردن. هدفهم الرئيس هو مساعدة السكان المحليين واللاجئين في التعليم والتدريب والاندماج. تعتمد رياض أمل للأطفال على طراز مونتيسوري في التعليم لزيادة التفاعل بين الأطفال الأردنيين والسوريين وبالتالي زيادة التقبل من كلا الجانبين. بعد أن سمعت عن هذه الرياض، ذهبت والدة تسنيم إلى روضة الأمل وفي داخلها بصيص أمل لبداية جديدة، لم تستقبل الروضة الطفلة للانضمام إلى برنامجها فحسب، بل حرصت أيضًا على توفير الاهتمام والحب والدعم المتخصص لها والحرص على إشراك والدتها في البرنامج أيضًا، وكان هذا كل ما هو مطلوب للبدء في رحلة التغيير للأفضل.

في البداية كان من المتوقع أن تبدأ تحديات التغير، لم يكن من السهل إقناع تسنيم بالذهاب إلى روضة الأطفال، حتى أن والدتها واجهت بعض الصعوبات بإقناعها أن تركب الحافلة للذهاب هناك، لم تكن الطفلة تشعر بأنها تنتمي لهذا المكان، ولكن… بعد فترة قصيرة من الوقت، سرعان ما بدلّت رأيها بسبب الدعم والرعاية التي تلقته من المعلمات وصبرهن على وضعها، وهنا بدأت تعتاد على الروضة بل وتعتبرها بيتها الثاني.

امش بالأمل حتى في أصعب الأوقات.

في روضة الأمل، كانت تسنيم تُعامل بشكل طبيعي بلا تمييز عن أي طفل، أشركتها المعلمات في العديد من الأنشطة والألعاب كالقراءة وتقديم عرض والتحدث في مجموعات، وشجعنها أيضًا على أن تكون على طبيعتها وتعبّر عن نفسها بطريقتها الخاصة… وفي غضون شهر واحد فقط، ما كانت تصبو إليه والدتها خلال السنتين الماضيتين قد حدث للتو، بدأت تسنيم في التغلب على عائقها في الكلام وبدأت في نطق كلمات جديدة. تقول والدتها ” إن الاهتمام والتشجيع الذي تلقته تسنيم من المعلمات في روضة الأمل جعلها أكثر ثقة وراحة في التعبير عن نفسها”. ومع الوقت الذي قضته تسنيم في الروضة… وهنا بدأت بنطق كلمات مثل اسمها وماما وماء و”مس” أي معلمة، وبدأت في التعبير عن احتياجاتها واهتماماتها بشكل أكبر.

في أيلول (سبتمبر) 2019، بدأت تسنيم ترتاد إلى روضة الأمل ولكن بسبب ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في الأردن، تم إغلاق جميع رياض الأطفال اعتبارًا من آذار (مارس) 2020، ونُقلت جميع البرامج عبر بعد، تقول والدتها: “من المؤسف أن ابنتي لم تتمكن من الاستمرار في الذهاب إلى روضة رؤيا الأمل بسبب الوضع الحالي لفيروس كورونا، وأنا على ثقة أن حالتها كانت لتستمر بالتحسن إذا ما استمرت من الالتحاق بالروضة مرة أخرى قريبًا”.

وبعد خمسة أشهر من الدروس عبر الإنترنت، فتحت روضة الأمل أبوابها مرة أخرى في تموز (يوليو) 2020 لجميع الأطفال مع وجود قيود حكومية معينة بسبب جائحة (كوفيد-19)، وها هي الآن بعد استمرارها بالبرنامج تتحدث في جمل من ست إلى سبع كلمات والانخراط بقوة مع الطلاب الآخرين.

عندما رأت والدة تسنيم أن ما تمنته وآمنت به أصبح حقيقة، ووجدت مستقبلًا جديدًا لطفلتها، رأت تأثيرًا واضحًا في ابنتها، وأضافة قائلة: “حين تسمو مهنة التعليم وتتجاوز حدود الكتاب المدرسي، وعندما تكون المرأة معلمة وبانية أجيال، يزهو مستقبلاً وجيلاً واعدًا.

في رؤيا أمل، نكرّس جهودنا لتقديم الأفضل للارتقاء من خلال تمكين الأفراد بما في ذلك الأطفال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا… إن إعادة الأمل إلى هؤلاء الأشخاص هيإحد الركائز الأساسية لعملنا.

 

هل أحببت هذا المقال؟

شاركها على فيس بوك
شاركها على إكس
شاركها على لينكد إن
شاركها على بينترست
شاركها على وتس آب
شاركها عبر البريد الإلكتروني
Scroll to Top